(الإسلاموطوبيا ) هي طرق الانحراف الأيدولوجي الكلي أو الجزئي عن المركز المعرفي الإسلامي الأصيل، هي (تبييض ) وترصيص التاريخ والفقه والشريعة والحضارة وكل ما يتعلق بالإسلام في هيئة درجات سلم يصل الصاعد فيه إلى مركز معرفي جديد أكثر تزمُّتًا (أيدولوجيا جزئية ) ، أو أشد انحرافًا بصورة كاملة عن الدين (أيدولوجيا كلية )، والعيب كل العيب ليس فيمن يقدم نموذجًا مثاليًّا؛ إنما العيب فيمن يتعصب له رفضًا لكل نموذج غيره في إطار المباح ويعتبر غيره ضالًا لابد من هدمه من أجل النموذج (الأوحد ) لا (الأفضل )! مثل هذا حتى لو طبَّقَ نموذجه فسيصطدم بإشكالات الطبيعة الإنسانية فيمن حوله من حاكمين ومحكومين، وسيعتبر أي تطور أو انحراف انهيارًا لمثاليته المنشودة؛ كما حدث للشيوعية المثالية التي عندما طبقت وانتظرت نهاية التاريخ؛ فكانت نهايتها هي نفسها الأقرب، بينما استمر التاريخ. هذا بناء (الإسلاموطوبيا ) الذي أرفضه والذي أفرق بينه وبين (النموذج ) بمعناه (مثالًا ) غير مبالغ فيه. في هذا الكتاب أقوم بعرض نماذج (الإسلاموطوبيا ) هذه مثل التأريخية والـمُتَلَبْرِلة والعِلموية السّلفيّة والتنظيمية، وما يهم القارئ هنا، هو عرض هذه النماذج ليعلم حجم مخاطرها توظيفيًّا بصورة خارجية أو داخلية لهدم كل مقاومة ودفع.
للـ(طوبيا ) تفسيران؛ الأول أنها تفكير أو نظام مرغوب فيه، وهو مثالي وناجح يمكن حدوثه وذلك لحتمية التقدُّم الإنساني، وبناءً على هذا التفسير تنقسم إلى قسمين؛ طوبيا الهروب التي تغادر العالم الخارجي تاركةً إياه كما هو، وطوبيا إعادة البناء التي تسعى إلى تغيير الواقع لتمكين الفرد من التعامل معه حسب أهدافه. أما التفسير الثاني للطوبيا: أنها كل فكرة أو نظرية لا تتصل بالواقع ولا يمكن تحقيقها، فهي أشبه بالخيال؛ وذلك لتعارضها مع الطبيعة البشرية ، والطُّوبَوِي هو من يتّصف بجموح الخيال والبُعْد عن الواقع.
والأيدولوجيا لها تصوّران كبيران متناقضان؛ الأول أن الأيدولوجيا هي الإيمان بأن أي سرديّات كبرى للتاريخ والكون والعالم ليست سوى حشد من الزّيف والأوهام والانفصال عن الواقع؛ فالأيدولوجيا عند هؤلاء شيء قبيح ومذموم. والأيدولوجيا عند الفريق الثاني هي مجرّد طريقة للعمل السياسي ومجموع القِيَم والأهداف للحزب؛ فلا إشكال في استخدامه، بل هي مطلوبة لتغيير الواقع.
وسينقسم الانحراف الأيدولوجي في الكتاب إلى نوعين: أيدولوجيا كلّيّة: وهي انحراف كامل، وفيها يتم هجْران المركز المعْرِفِي الأصولي تماما إلى مركز معْرِفِي آخر، إنسانَوِي أو علماني أو غير ذلك. وهذه الأيدولوجيا مُدَمِّرة لهويّة الذات الإسلامية نفسها؛ فتنتج لنا مَسْخًا لا هو بالعلماني القُحّ ولا هو بالإسلامي حقًّا، ويكثر في هؤلاء التِّيه النِّسبي وبالتالي البَرَاجماتِيّة؛ فليس من المسْتَغْرَب حينئذ أن يجذب الفكر الـمَقاصِدي هؤلاء؛ إنه رؤية معْرِفِية ترسِّخ النّسبية والبَرَاجماتِيّة تحت أي مجموعة ملائمة من الشعارات الكبرى، مثل حفظ الدين والنفس، وهي مقاصد بَشَريّة (إنسانوية ) عامة قد يؤمن بها شيوعي بنفس درجة إيمان الليبرالي الرأسمالي!
أيدولوجيا جزئية: وهي انحراف أصغر، وفيها يتم الانطلاق من نفس المركز الأصولي لكن بمسارات تؤدِّي للانحراف الفكري والعملي على المدى البعيد، ومَوْطن الخلاف الكبير بين هذه والكلّيّة: أن الجزئية تُدْخِل الخلافيّات في مرتبة اليقينيّات وما لا يجوز التنازع حوله، بينما الأيدولوجيا الكلّيّة تُدْخِل اليقينيّات وما لا يجوز التنازع حوله في مرتبة الخلافيّات المقبولة.
إن (الإسلاموطوبيا ) من وَجْه هي مسالك التحريف الأيدولوجي الكلّيّ أو الجزئي؛ فهي (تبييض ) وترصيص التاريخ والفقه والشريعة والحضارة وكل ما يتعلق بالإسلام في هيئة درجات سلَّم يصل الصاعد فيه إلى مركز معْرِفِي جديد أكثر تزمُّتًا (أيدولوجيا جزئية ) ، أو أشد انحرافا بصورة كاملة عن الدين (أيدولوجيا كلّيّة )، ومن وَجْه آخر فـ (الإسلاموطوبيا ) هي المركز المعْرِفِي الجديد والمنحرف.
في (الإسلاموطوبيا ) تجعلك الأَدْلَجَة تؤمن إما أن هذا النموذج ليس مثاليًّا لأن منفِّذيه لن يحققوا تصورك المثالي الكامل لـ (لإسلاموطوبيا ) التي تتخيلها، وهذه هي الأَدْلَجَة الجزئية، أو تجعلك تعترض أصلا على شكل النموذج معتبرًا أن هذا ليس النموذج المطلوب ساعيًا لنموذج آخر مخالف للإسلام، وهذه هي الأَدْلَجَة الكلّيّة.
سنأخذ المدرسة الصلّابيّة في التأريخ مثالًا في هذا الفصل نظرًا لأنها الأوسع انتشارًا، ومن أهمّ مظاهر اختلاف هذه المدرسة - ومدارس التأريخ الإسلامي عمومًا - عن المدارس الغربيّة أنها تتمركز حول الإسلام شرقًا وغربًا؛ دون إيلاء أولويّة كبرى للمشرق الإسلامي على حساب الغرب الإسلامي، وأنها أعادت العقيدة إلى التأريخ كعامل إيجابي يتوقّف عليه النصر أو الهزيمة. إن عامل القوة العسكرية لا يمكن تجاهله، لكن المؤرخ الإسلامي لا يضعه هو السبب الرئيس في الانتصارات؛ بل يضع العامل العَقَدِي الإسلامي.
وعيب هذه المدرسة أنها تبالغ في جعل النصر يدور مع أهل العقيدة السليمة في شكل رياضي تعميمي، وهذه إحدى نقاط التضارب المنهجي الواضح؛ فيصير نفس العامل (عامل غِلّ وحقد ) عندما يكون في الجبهة الصليبية أو اليهودية، ومن عيوبها أيضًا: تفضيل الحاكِم القويّ وإن كان شرسًا، وتمجيد الماضي الذَّهبي، مع العداء لكافّة أشكال الثورات وتصنيفها كلها تقريبًا في باب الفِتَن باعتبارها ثورات (خارجية، شيعية، شعوبية )، ونادرًا ما يتم التّعرّض للعوامل التي جعلت الشعوب ثائرة على هؤلاء الحكام.
كثيرًا ما تنشغل تلك المدرسة بكتابة التاريخ البطولي فقط؛ فنجد أن التاريخ الإسلامي قد تحوَّل فجأة إلى مَلْحَمَة متسلسلة من الأبطال (سيرة بيبرس الأعظم، سيرة صلاح الدين الأعظم، ........ )، والشخصيات (اليوتيوبية ) التي أجرى الله الفتح على يديها؛ فهم يستبدلون تَطْوِيب التأريخ القومي المعاصر بتَطْوِيب التاريخ الإسلامي كلّه، ويجعلون مسائل الجَوْر والظّلم مجرد مسائل عارضة يمكن ردّها إلى زمانها وسياقها ثم تبريرها، تزامن هذا مع سقوط الخلافة، وبالتالي تم ربط هذه البطولات والتواريخ المجيدة بمفهوم الخلافة المطلوب استعادته.
بذلك انتشر فكر (تبييض ) التاريخ الإسلامي - والسنِّي بشكل خاص - مقابل تجاهل الفِرَق الأخرى وانتصاراتها (مثل إباضية عمان وفتوحاتهم وتاريخهم في شرق أفريقيا ) باعتبارهم دولة خوارج أو شيعة؛ إذ كيف يطالِب المسلمون بالخلافة إن لم يكن تاريخها هو الأمجاد والانتصارات والأبطال، فأنتج هذا (التبييض ) عقْليّة (إسلاموطوبية ) مُؤَدْلَجَة جزئيًّا يمكن هدم أفكارها ونظرياتها بمجرد رَشْقَة صغيرة من أحجار العِلم بالتاريخ الحقيقي لا التاريخ (التّبْريري التّطْوِيبي ).
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان